واسط في العصر المغولي (الإيلخاني)
كانت مدينة واسط منذ تأسيسها عام 81هـ/700م من الحواضر العربية الإسلامية المهمة في تاريخ العراق، إذ كان لها دور بارز في أحداث العراق السياسية والاجتماعية خلال العصر العباسي، وان لموقع واسط ونموها السريع وما شهده من تطورات أثراً واضحاً في اكتسابها هذه الأهمية وبروز دورها السياسي والحضاري بشكل فعال، فواسط إحدى مدن العراق التي احتفظت بأهميتها حتى أواخر العصر المغولي، إذ كانت تشرف على أدارة منطقة واسعة تضم عدد من المدن والقرى، وقد ساعدها موقعها الجغرافي على المشاركة الفعالة في معظم الأحداث السياسية في العراق طيلة هذا العصر.
مقدمة
على الرغم من أهمية موضوع البحث، لا نجد حسب علمنا أية دراسة منهجية متخصصة تتناول بالبحث التاريخ السياسي والإداري لمدينة واسط في فترة الاحتلال المغولي.
فمعظم الدراسات التي تناولت الفترة المغولية قد بحثت تاريخ العراق بصورة عامة، ولم تفرد دراسة خاصة عن تواريخ المدن في العراق ومنها مدينة واسط، لذا جاء هدف الدراسة منحصراً في بحث أحوال هذه المدينة السياسية وتنظيماتها الإدارية.
واجهت البحث عدة صعوبات أغلبها تعلق بقلة المعلومات وندرتها في المصادر التاريخية، مما تطلب منا جهداً في جمعها وتحليلها بالرجوع إلى مصادر كثيرة ومتنوعة لدراسة دورها السياسي والإداري في هذه الحقبة.
قسمت الدراسة إلى مبحثين تناول المبحث الأول منها الاحتلال المغولي للعراق وسيطرته على بغداد عام 656هـ/1258م ثم دراسة أحوال واسط السياسية في ظل السيطرة المغولية.
أما المبحث الثاني فأنه عنى بدراسة إدارة المغول لمدينة واسط تضمن أهم التقسيمات الإدارية التابعة لها، وطبيعة وظائف تلك الإدارة المدنية والعسكرية والمالية والدينية والمتمثلة بالشحنة والصدر والناظر والمشرف والقضاء والنقابة.
أما أهم المصادر التي اعتمد عليها البحث فأنها كثيرة، وامتازت بتكرار أغلب معلوماتها، كما إنها ركزت على أحوال الدولة الإيلخانية والسلاطين المغول، ولم تعط حيزاً خاصاً لما جرى في مدن العراق من أحداث سياسية وإدارية. ومن أهم تلك المصادر (الكامل في التاريخ)، لأبن الأثير (ت630هـ/1232م) الذي عاصر بداية الغزو المغولي، وأمدنا بمعلومات عن ظهور المغول وغزوهم المشرق الإسلامي ثم بدايات هجومهم على العراق، فضلاً عن معلومات تتعلق بأحوال العراق العامة، وكتاب (تاريخ مختصر الدول) لابن العبري (ت685هـ/1286م) فإنه رفد البحث بمعلومات قيمة أفادتنا في دراسة الأوضاع السياسية في العراق عامة ومدينة واسط خاصة، ويعد كتاب رشيد الدين الهمداني (ت718هـ/1318م) من أهم المصادر لدراسة تاريخ المغول تناول تاريخهم السياسي وسيطرتهم على بغداد وبقية مدنه وتنظيم إدارة البلاد.
ومن المصادر الأخر التي كان لها أهمية في تاريخ هذه المدة مصنف ابن الفوطي (ت723هـ/1323م) والمعنون (مجمع الآداب في معجم الألقاب) وهو كتاب في تراجم الرجال مرتباً حسب الحروف الهجائية وفيه دوَّنَ ابن الفوطي معلومات مهمة عن أهم الأحداث منذ احتلال بغداد عام (656هـ/1258م) ضّمنه تراجم حكام الدولة الإيلخانية وغيرها من الشخصيات الإدارية والفكرية، وكتاب (الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في أعيان المائة السابعة)، لمؤلف مجهول وينسب لأبن الفوطي وهو يعد من أهم مصادر البحث فيه معلومات مفيدة ومفصلة عن نشاط المغول العسكري وأحوال العراق السياسية وكذلك أحوال مدينة واسط وخاصة أهم الوظائف الإدارية مع ذكر أسماء أصحاب المناصب والوظائف فيها.
ومن المصادر الأخر كتاب (المختصر في أخبار البشر) لأبي الفداء (ت732هـ/1331م)، وكتاب (البداية والنهاية في التاريخ) لأبن كثير (ت774هـ/ 1372م)، وكتاب (العبر وديوان المبتدأ والخبر) لأبن خلدون (ت808هـ/1405م).
ومن كتب الجغرافية كتاب (معجم البلدان) لياقوت الحموي (ت626هـ/1228م) ففيه معلومات عن الكثير من المناطق الإدارية والقرى التابعة لواسط، ومن كتب الرحلات التي أعطتنا معلومات عن أحوال العراق ومدنه في هذه الفترة كتاب (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) لأبن بطوطة (ت779هـ/1377م).
أما المراجع الحديثة فمن أهمها كتاب عباس العزاوي (تاريخ العراق بين احتلالين) لاسيما الجزء المتخصص بحكم المغول في العراق، وكتاب الدكتور جعفر خصباك (العراق في عهد المغول الإيلخانيين)، وكتابا الدكتور محمد صالح القزاز (الحياة السياسية في العراق في العصر العباسي الأخير) و(الحياة السياسية في العراق في عهد السيطرة المغولية) وغيرها من المراجع الأخر
احتلال المغول لبغداد عام 656هـ/1258م:
بعد أن تمكن المغول من احتلال الدولة الخوارزمية والقضاء على قلاع الاسماعيلية بدأوا بالإعداد لحملة لغزو العراق، وسبق ذلك قيامهم بعدة هجمات استهدفت إشاعة الرعب بين الناس والوقوف على وضع الخلافة العباسية من الناحية العسكرية.
بدأت هجماتهم على مدن العراق منذ عام 618هـ / 1221م حيث هاجمت قواتهم مدينة إربل التي استنجدت بأمير الموصل بدر الدين لؤلؤ الذي بادر بإرسال مجموعة من العسكر إليها ولما علم الخليفة الناصر لدين الله (575-622هـ/ 1179-1225م) بذلك كتب إلى أمير الموصل وإربل يأمرهما بالانضمام إلى عساكره في داقوقا ثم بعث إليهم الخليفة قوة تقدر بثمانمائة رجل وأصبح المقدم على الجميع الأمير مظفر الدين كوكبري، الذي لم يشتبك مع المغول بسبب قلة القوات التي كانت معه، علماً بأن الخليفة الناصر كان قد وعده بإرسال عشره آلاف رجل لمواجهتهم
ذكر أحد الباحثين إن هذا الاعتداء لم يدفع الخليفة الناصر إلى دعم صاحب إربل وتزويده بالقوات اللازمة ليتمكن من استرجاع أراضي المسلمين، لكن الذي أنقذهم هو أن التتر انسحبوا قبل اشتباكهم مع القوات المجتمعة نظراً لبعدهم من جهة، وخوفهم من تجمع الجيوش عليهم من جهة أخرى.
يتضح من هذا الهجوم الذي تعرضت له إربل مدى عجز الخليفة عن تجهيز القوات اللازمة لصد هذه الهجمة المغولية التي ربما لو لم ترجع وقامت بتنفيذ هجومها لتمكنت من احتلال إربل هذا في الوقت الذي كانت فيه الخلافة تتمتع بشيءٍ من القوة، إذن فليس من الغريب ان يتمكن المغول من السيطرة على بغداد في عهد الخليفة المستعصم بالله (640-656هـ/ 1242-1258م)، ولاسيما ان الضعف بدأ يدب في أوصال الخلافة في هذه المدة، فضلاً عن ضخامة الجيش الذي أعده المغول وإصرارهم على احتلال بغداد.
أعقب ذلك مدة من الهدوء استمرت عشر سنوات انتهت بهزيمة جلال الدين منكبرتي آخر سلاطين الخوارزميين في عام 628هـ/1230م، فأرسل المغول فيها قوة إلى إربل قاموا بأعمال النهب والقتل إلى أن دخلوا المدينة، فخرج إليهم صاحبها ومعه قوة وصلت إليه من الموصل، إلا أنه لم يستطع إدراكهم لأن المغول عادوا إلى أذربيجان، وفي عام 629هـ/1231م هاجم المغول شهرزور انتدب الخليفة المستنصر بالله (623-640هـ/1226-1242م) صاحب إربل بعد أن جهزه بقوة من عنده، إلا أن التتر هربوا منهم ثم مرض مظفر الدين فعادوا إلى بلادهم
تكرر الهجوم المغولي عام 633هـ/1235م على مدينة إربل ومنها توجهوا إلى الموصل فأمر الخليفة المستنصر بالله بتجهيز العساكر واستنفار الأعراب من البوادي وجعل قيادتها إلى الأمير جمال الدين قشتمر لما علم المغول عادوا إلى بلادهم ورجعت العساكر إلى بغداد وفي علم 634هـ/1236م هاجم المغول إربل من جديد فهرب أهل المدينة إلى قلعتها فحاصرها المغول أربعين يوماً ولم يتم فك الحصار عنها إلا بعد أن سلمهم أهلها الأموال فغادروها
عاود المغول غزو مدينة إربل في عام 635هـ/ 1237م فخرج عدد من سكانها إلى المناطق الأخرى وقام زعيمها الأمير شمس الدين باتكين بإخراج العساكر إلى ظاهر البلد من أجل حراسة المدينة إلا أن المغول عدلوا عن دخولها، ثم توجهوا بعد ذلك إلى بغداد ومنها إلى سامراء، فخرج لهم مجاهد الدين الداويدار وشرف الدين إقبال الشرابي على رأس قوة وتمكنوا من هزيمة المغول، إلا أنهم عادوا في أخر العام من جديد إلى بغداد ووصلوا إلى خانقين فأشتبك معهم جيش الخلافة وكانت المعركة لصالح المغولثم وصلت قوات مغولية جديدة إلى خانقين في عام 643هـ/1245م وعلى أثر ذلك أصدر الخليفة أوامره بخروج القوات، فتراجع المغول على أثر ذلك.
شن المغول هجوماً آخر على خانقين عام 647هـ/1249م فخرجت لهم العساكر وأهالي المدينة إلا أن المغول رجعوا بعد أن قاموا بأعمال القتل والنهب في داقوقا ويبدو أن هذه آخر هجمة مغولية على العراق حتى هجمتهم الكبرى عام 656هـ/1258م التي تمخض عنها احتلالهم العراق وسيطرتهم على العاصمة بغداد.
بدأ المغول بالإعداد لحملتهم على العراق منذ عام 655هـ/1257م ولكن هذه الحملة سبقها جملة من المراسلات بدأت منذ عام 635هـ/1237م، وعندما استقر هولاكو في كيش غرب سمرقند راسل الخليفة المستعصم بالله عام 653هـ/1158م من أجل التعاون معه ضد الاسماعيلية لكن الخليفة لم يرسل إليه النجدة، بسبب أن الأمراء قد أقنعوه بأن غرض هولاكو من ذلك هو إخلاء بغداد من الجيش ليتمكنوا من الدخول إليها دون أن يكون هناك عائق يمنعهم ، لذلك بعث هولاكو إلى الخليفة رسالة تهديد لعدم إرسال الجند إليهم في وقت فتحهم لقلاع الاسماعيلية مذكراً إياه بما حل بالخوارزميين والسلاجقة وملوك الديالمة والاتابكة وغيرهم مطالباً إياه بطاعة المغول .
كان رد الخليفة على هذه الرسالة عنيفاً فقد هدد هولاكو بالقضاء على المغول في إيران، ثم دعاه إلى إتباع أسلوب الود والسلام، أما إذا أراد الحرب فأنه مستعد لذلك ، وكان يجب على الخليفة أن يدرك انه لم يكن له سند حقيقي قوي يمكنه من الصمود أمام القوات المغولية التي استطاعت أن تتغلب على أكبر القوى في مدة قليلة من الزمن وخاصة أن العالم الإسلامي في ذلك الوقت كان يسوده التفكك والانحلال فلا يمكن ان يهب احد لنجدته، فكانت هذه الرسالة ذات نتائج عكسية جعلت هولاكو يصمم على احتلال بغداد
أرسل هولاكو رسالة أخرى إلى الخليفة المستعصم بالله يهدده بالمسير إلى العراق بقوله: (( فأنني متوجه إلى بغداد بجيش كالنمل والجراد )) إزاء ذلك استشار الخليفة المستعصم وزيره ابن العلقمي بما يفعله فأشار عليه بإرضاء الملك بالأموال والهدايا، إلا أن الداويدار الصغير وأصحابه اقنعوا الخليفة بعدم إرسال تلك الهدايا بحجة ان الوزير كان متعاوناً مع التتار وأنه يريد تسليم البلاد لهم، فاكتفى الخليفة بإرسال شيء قليل من الهدايا مما أغضب هولاكو
قبل أن يتوجه هولاكو إلى احتلال بغداد أخذ رأي بعض الفلكيين منهم حسام الدين الذي نصحه بعدم التوجه إلى بغداد مبيناً له الأخطار الناجمة عن الإساءة للعباسيين إلا أن إصرار الأمراء للسيطرة على بغداد جعله يستدعي نصير الدين الطوسي الذي بين أن أياً من تلك الأمور لن يحدث عند توجهه إلى بغداد(34).
ويمكن إرجاع تردد هولاكو أيضاً إلى خشيته من الخليفة فعلى الرغم من ان سلطانه الزمني كان ضعيفاً إلا أن سلطته الدينية كانت ما تزال قوية
قرر هولاكو أخيراً الزحف باتجاه بغداد، وقد أعد خطة محكمة لمحاصرتها، فأمر بأن تتحرك جيوش الميمنة إلى الموصل عن طريق إربل وتعبر جسر الموصل ثم تتوجه إلى الجانب الغربي من بغداد أما قوات الميسرة فزحفها يكون من حدود لرستان وبيان وتكريت وخوزستان حتى ساحل عمان أما قوات القلب فتولى قيادتها هولاكو وسار بقواته في التاسع من المحرم عام 655هـ/ 1257م من همدان إلى دجلة وصاحب القـوات المغولية إمدادات من قبل أمير الموصل بدر الدين لؤلؤ التي أرسلها خوفاً من المغول .
عند وصول أخبار تقدم المغول إلى الخليفة أمر الداويدار بالخروج بعساكره من بغداد فخرج الداويدار ونزل قريباً من بعقوبة ، وعندما علم أن الجيش المغولي بقيادة بايجونوين نزل بالجانب الغربي ظن أن هولاكو نزل هناك فرحل عنها ونزل بجوار بايجور، ثم التقى كل من المغول وقوات الداويدار في الأنبار ودار بينهما قتال خسر فيه الداويدار ونجا هو وعدد قليل من عسكره فدخل بعضهم بغداد فيما دخل البعض الآخر الحلة والكوفة
تتبعت القوات المغولية بقيادة بايجو القوات المنهزمة إلى داخل بغداد ونزلت في الجانب الغربي منها وشرعوا برمي النشاب أما هولاكو فنزلت قواته بغداد من جانبها الشرقي وبذلك تمكن المغول من إحاطة بغداد من الجانبين وقد سهل ذلك أن جيش الخلافة في بغداد كان قليلاً وضعيفاً إذ لا يتجاوز عدده عشرة آلاف مقاتل بينما بلغ جيش هولاكو حوالي مائتي ألف مقاتل
قام المغول حال دخولهم بغداد بحفر خندق وبنوا بترابه سور حول محيطها ونصبوا المناجيق والعرادات وفي يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من المحرم بدأ المغول بالهجوم وكان اهتمامهم متجهاً نحو برج العجمي الذي يعد اقصر أبراج السور حتى تمكنوا أن يحدثوا ثغرة فيه
بعد أن بدأ المغول هجومهم على بغداد حاول الخليفة المستعصم مراسلة هولاكو وأظهر له الطاعة بعد ان شعر بعجزه عن مقاومة المغول فبعث الوزير الجثاليق إلى هولاكو يقول له: ((إن الملك قد أمر بأن ابعث إليه الوزير وها أنا ذا قد لبيت طلبه فينبغي أن يكون الملك عند كلمته ، فرد عليه هولاكو قائلاً: ((إن هذا الشرط وأنا على باب همدان أما الآن فنحن على باب بغداد وقد ثار بحر الاضطراب والفتنة فكيف اقنع بواحد ينبغي أن ترسل هؤلاء الثلاثة يعني الداويدار وسليمان شاه والوزير .
على أثر فشل محاولة الخليفة الأولى في عقد الصلح مع هولاكو قرر إرسال صاحب الديوان فخر الدين الدامغاني وابن الدرنوس مع القليل من التحف إلى هولاكو، إلا أن الأخير لم يلتفت إليه مما جعل الخليفة يرسل إليه ابنه الأوسط أبو الفضل عبد الرحمن ولم يقنع به هولاكو أيضاً ثم توالت الوفود من قبل الخلافة فأرسل الخليفة ابنه الأكبر ومعه الوزير إلا أن موقف هولاكو هذه المرة لم يختلف عن السابق
بعد فشل جميع الوفود التي أرسلها الخليفة إلى هولاكو قرر الخليفة أخيراً الاستجابة لطلب هولاكو بإرسال سليمان شاه والداويدار إليه، إلا إنهما عادا إلى المدينة لأخذ أتباعهم معهم ثم رجعوا من جديد إلى هولاكو على أساس أن ينظموا إلى جيش الشام ولكن هولاكو أمر بقتلهم جميعاً ثم أمر بقتل الداويدار وسليمان شاه والأمير تاج الدين ابن الداويدار وأرسل رؤوسهم إلى الملك الصالح بن بدر الدين لؤلؤ الذي كان صديقاً لسليمان شاه لكنه علق رؤوس الثلاثة خوفاً على حياته .
على أثر مقتل الداويدار وسليمان شاه وجد الخليفة المستعصم انه لابد من الخروج إلى هولاكو، فخرج إليه في رابع صفر ومعه أولاده وأهله وثلاثة آلاف من أكابر واعيان المدينة فأمر هولاكو بإقامة الخيام للخليفة وأبنائه وأتباعه بباب كلواذى ثم طلب منه الخليفة بالحسنى أن يطلب من الناس تسليم أسلحتهم وفعلاً خرج الناس استجابة لأمر الخليفة والقوا أسلحتهم
وفي السابع من صفر بدأت أعمال التخريب في بغداد التي شملت دار الخلافة فلم ينج إلا من كان صغيراً وقيل أن أعمال النهب استمرت أربعين يوماً في حين ذكرت بعض المصادر أنها استمرت اقل من ذلك
وذكر أن أعمال النهب والتخريب انتهت بعد رحيل هولاكو من بغداد في يوم الأربعاء الرابع عشر من صفر بسبب سوء الأحوال الصحية في المدينة، بعد أن منح سكانها الأمان
اختلف المؤرخون حول عدد الذين لقوا مصرعهم على أيدي المغول في بغداد فذكر ابن الفوطي أن عددهم زاد على ثمانمائة ألف ما عدا من مات ومن هلك في السراديب والآبار بينما أشار ابن خلدون إلى أن عددهم بلغ ألفاً وثلاثمائة ألف في حين قدر عددهم المقريزي بحوالي ألفي ألف قتيل ولا شك أن هذه التقديرات مبالغ فيها وإننا نتفق مع ما ذكره أحد الباحثين بأن أسوار بغداد كانت ذات مساحة صغيرة لا يمكن أن تضم الملايين من السكان، كما أن عدداً كبيراً منهم نجا بعد سماعهم باقتراب المغول، فضلاً عن عودة الازدهار إلى المدينة بعد فترة.
ويلاحظ أن اغلب الذين نجوا من هذه المذابح هم أهل الذمة من النصارى واليهود ومن التجأ إليهم وكذلك من احتمى بدار الوزير مؤيد الدين بن العلقمي وبعض التجار الذين حصلوا على الأمان مقابل أموال دفعوها إلى المغول
بعد ذلك أمر هولاكو بقتل الخليفة المستعصم بالله في يوم الأربعاء رابع عشر من صفر، ثم قتل أبنائه وعدد من أفراد الأسرة العباسية، وبهذا أصبح العراق خاضعاً للاحتلال المغولي
واسط في ظل السيطرة المغولية
إن طبيعة الأوضاع السياسية في العراق ومنها مدينة واسط كانت مضطربة بسبب الحصار الذي فرضته السلطة المغولية على مدينة بغداد، فتسلل عدد من الأهالي هاربين إلى مدينة الحلة والكوفة كما نزح أهالي هاتين المدينتين إلى منطقة البطائح مع أولادهم وأموالهم خوفاً من المغول، لاسيما بعد سماعهم بما ارتكبوه من أعمال وحشية وجرائم قتل ونهب في المناطق التي اجتاحوها، ولم يبق في المدن إلا عدد قليل من السكان
وخلال الحصار المغولي على مدينة بغداد، أرسل أهالي الحلة وفداً إلى هولاكو يلتمسون منه أن يعين عليهم شحنة من قبله فأجابهم إلى طلبهم وأرسل إليهم كلاً من الأمير بوكله والأمير بجلي النخجواني
ولما عاد الوفد إلى الحلة أرسلوا إلى أهلها في البطائح يعلموهم بما تم الاتفاق عليه وطلبوا منهم العودة وفعلاً عادت أعداداً كبيرة من السكان إليها ثم ألحق بهما هولاكو الأمير المغولي (بوقاتيمور) على رأس قوة لجس نبض أهالي الحلة والكوفة وواسط، والوقوف على مدى طاعتهم، وما أن وصل الوفد المغولي إلى مشارف الحلة حتى خرج أهلها للاستقبال، ولما شاهد (بوقاتيمور) ترحيبهم وإخلاصهم غادر الحلة في العاشر من صفر متوجهاً نحو مدينة واسط
وصلت قوات الاحتلال المغولي إلى واسط في السابع من صفر عام 656هـ/ 1258م، لكن أهلها قاوموا قوات بوقاتيمور المغولية مقاومة شديدة، فأقام الأخير هناك واستولى على المدينة وشرع في القتل والنهب والتخريب وقتل ما يقرب من أربعين ألف شخص من أهل واسط
اخضع المغول بعد فترة قصيرة معظم أنحاء العراق بعد أن قتلوا أعداداً كبيرة من سكانها وخربوا مساحات واسعة من المواقع التي تصدت لهم، ويمكن القول ان المقاومة الجدية للغزو المغولي كانت عامي 656-660هـ/ 1258-1262م، وتمثلت في الجانب الشرقي من العاصمة بغداد وفي عدد من مدن العراق منها واسط وأربيل والموصل وغيرها
حظيت مدينة واسط طيلة العصر المغولي (الإيلخاني) بأهمية خاصة نظراً لموقعها الجغرافي المتميز بالنسبة لطرق المواصلات بينها وبين مدن العراق الأخرى، وسعة مساحتها، فضلاً عن أهميتها الاقتصادية حيث وصفت: ((بأنها أعمر بلاد العراق، وعليها معول ولاة بغداد
لذلك نجد حكام المغول أو من ينوب عنهم كانوا يقومون بزيارات متكررة لهذه المدينة، ففي عام 666هـ/ 1268م قام علاء الدين الجوينيصاحب الديوان بزيارة إلى واسط، وأمر في عام 670هـ/1271م بعمارة موضع في نهر جعفر من أعمال واسط سماه (المأمن) بنى فيه ديواناً وجامعاً وبعض المرافق الأخرى مثل الخان والسوق والحمام وأصبح فيما بعد مركزاً سكانياً مهماً ومحطة للتجار القادمين من وإلى البصرة.
استقرت القبائل العربية في المدن وخارجها ومارسوا أنواع الحرف، فبالإضافة إلى حرفة الرعي قاموا بحماية القوافل التجارية وأخذ ضريبة الخفارة التي تفرضها على القوافل المارة بأراضيها، وأحياناً تلجأ هذه القبائل إلى مهاجمة المدن القريبة منها وقطع طرق المواصلات بينها .
أما الموقف السياسي للقبائل العربية في منطقة واسط خلال مرحلة التسلط المغولي فانه لا يختلف عن موقفهم في فترة الخلافة في العصر العباسي الأخير، إذ اتسم موقفها بالتذبذب وبما يتناسب مع مصلحتها، إلا ان موقفها في الغالب كان معادياً لسلطة الاحتلال المغولي، ولهذا نجد أن قبيلتي عبادة وخفاجة كانوا عيناً على المغول للسلطان المملوكي
تعرضت منطقة واسط إلى حالات من الفوضى وعدم الاستقرار بسبب موقف بعض القبائل، فقبيلة خفاجة كانت مصدراً للفتن والاضطرابات في أواخر العصر العباسي والتي كانت تقوم بمهاجمة القوافل المارة بأراضيها، واستمرت كذلك في إثارة الفتن في عهد السيطرة المغولية وقد أشار الرحالة ابن بطوطة إلى نفوذ وسطوة هذه القبيلة بأنه لا يمكن لأحد السفر في مناطقها إلا برفقة أدلاء من قبلهم اعتادوا على تسيير القوافل وحمايتها , وهذا يعني أن هذه القبيلة ظلت تحكم في المنطقة وربما استغلت اضطراب الأوضاع السياسية فيها وعدم استجابتها للحكم المغولي.
ويمكن القول أن هذه القبائل كانت أكثر ميلاً للتعاون مع السلاطين المماليك في بلاد الشام ومصر ضد الاحتلال المغولي، بمعنى أن هذه القبائل كانت في أغلب الأحيان خارجة عن سلطة السلطان المغولي، لذلك شن السلاطين المغول الحملات العسكرية لوقف تهديد هذه القبائل وتقليص خطرها على السلطة المغولية في بغداد ومدن العراق ففي عام 680هـ/1281م أرسل المغول قوة عسكرية وصلت إلى أطراف مدينة واسط ونهبوا القبائل واستولوا على أموالهم ورجعوا إلى بغداد ومعهم عدد من الأسرى، وكذلك أمر السلطان كيخاتو عام 693هـ/1294م بالقضاء على تحركات القبائل في واسط فسار العسكر المغولي إليها حتى وصل على آخر أعمالها، وشرع في نهب القرى وأخذ أموالها، أما القبائل فأنهم اعتصموا في منطقة البطائح وقام المغول بنهب سفن التجار الواصلين من البحر، ثم خرجت القبائل ونهبت الباقي وأحرقت السفن .
لم تستقر منطقة واسط في هذه المدة ففي عام 698هـ/1299م سار السلطان محمود غازان بنفسه لقتال هذه القبائل وأوقع فيهم العسكر القتل والنهب، وعين جماعة لملازمة أعمال واسط ومنع القبائل من إثارة الفتن والقلاقل في المنطقة، وقد أشار ابن الفوطي عند كلامه عن فخر الدين مظفر بن الطراح الذي كان يتولى صدرية الأعمال الواسطية والبصرية في عهد السلطان غازان إلى أنه كان شجاعاً في قتال الأعراب الخارجين عن سنن الصواب
وخلاصة القول إن هذه القبائل كان لها دور كبير في الصراع السياسي والعسكري بين المغول والمماليك، ومع ذلك بقي ولاؤها غير مستقر فتارة تقف مع المغول وأخرى مع المماليك، فضلاً عن دورها الفعال والمؤثر في الأحوال السياسية والاقتصادية في العراق والمدن القريبة منها.
كذلك تعرضت مدينة واسط ومنطقتها خلال العصر المغولي إلى العديد من الاضطرابات المحلية ففي عام 683هـ/1284م ظهر رجل في سواد الحلة يعرف بأبي صالح أدعى أنه نائب صاحب الزمان، والتف حوله عدد من الناس وقصد واسط ونزل في موضع يسمى (بلد الدجلة)، وأخذ الأموال ثم سار بعدها إلى قرية قريبة من واسط تعرف (الأرحاء) فطلب منه فخر الدين مظفر بن الطراح (صدر واسط) أن يخرج من المدينة بعد أن ضيق عليه، فخرج قاصداً الحلة، فأمر صدر الحلة (ابن محاسن) ابنه بمحاربته، ووقع قتال بينهما قتل فيه ابن صدر الحلة فأرسل الأخير إلى حاكم بغداد يطلب النجدة، فسار إليه شحنة العراق على رأس قوة تمكن خلالها من قتله وعلق رأسه في بغداد ، وفي نفس العام ظهر في قرية تعرف بقرية (الشيخ) من أعمال واسط رجل اسمه شامي أدعى ما ادعاه أبو صالح وكثر جمعه فأرسل فخر الدين بن الطراح (صدر واسط) إليه ينهاه عن فعله ويتهدده بالقتل فهرب والتجأ إلى بعض القبائل العربية وتفرق جمعه
إدارة واسط
التقسيمات الإدارية التابعة لمدينة واسط ومناطقها
بنى الحجاج بن يوسف الثقفي مدينة واسط عام 81هـ/700م في الجانب الغربي من نهر دجلة وسميت واسط لتوسطها بين البصرة والكوفة والأحواز وكان للعامل الإداري أثر كبير في نشأتها، وقد شهدت واسط تطوراً ملحوظاً خلال العصر العباسي، فزاد عدد سكانها واتسعت المدينة على جانبي نهر دجلة اتساعاً كبيراً، فضلاً عن أهميتها من الناحية العمرانية والاقتصادية والإدارية والعلمية طوال العصر العباسي
في ضوء المعلومات المتوافرة لدينا لا نستطيع تحديد حدود واضحة لمدينة واسط ومنطقتها خلال هذه الفترة، ربما يعود ذلك إلى التطورات الإدارية التي شهدها العراق وإلى حالة عدم استقرار الأوضاع السياسية في هذه المنطقة، مما أدى بطبيعة الحال إلى توسع حدودها تارة وتقلصها تارة أخرى تبعاً للتبدلات الإدارية التي حدثت فيها
أشار ياقوت الحموي إلى حدود منطقة واسط بقوله: ” وأول أعمال واسط من شرقي دجلة فم الصلح، من الجانب الغربي زرفامية، وآخر أعمالها من ناحية الجنوب البطائح، وعرضها الخيثمية المتصلة بأعمال باروسما، وعرضها من ناحية الجانب الشرقي عند أعمال الطيب ”
يبدو أن مدينة واسط كانت مقسمة إلى عدد من المناطق الإدارية وتسمى الأعمال، وتضم كل منطقة منها مجموعة من المدن والقرى، وعلى الأرجح أن هذه التقسيمات لم تبقَ ثابتة وإنما جرت عليها تغيرات عديدة طيلة تلك المدة بسبب تعرض بعض مناطقها وقراها إلى تبدلات كثيرة جرت في المنطقة منها كان بفعل العوامل السياسية والحروب والاضطرابات التي شهدتها المدينة أو عوامل جغرافية تمثلت بانغمار بعض أراضيها بمياه الفيضانات التي أدت إلى تخريب بعض مناطقها واندثار بعضها الآخر، وقد بقيت قسم من مدنها وقراها تمارس دورها السياسي والفكري طيلة العصر العباسي والمغولي كما ورد في الروايات التاريخية التي تتحدث عن أحداث هذه لمدينة ومن أهم الأعمال والمدن التي كانت تابعة لولاية واسط خلال العصر العباسي والتي استمرت فيما بعد خلال العصر المغولي (الإيلخاني) منها:
1- أعمال الصلح:
الصلح هي كورة تقع شمال مدينة واسط على نهر يعرف بـ: (فم الصلح) على الجانب الشرقي من نهر دجلة أما أهم القرى المرتبطة بها إدارياً والقريبة منها (ماذرايا) فهي قرية من أعمال فم الصلح مقابل نهر سابس، وقد خرب أكثرها في القرن السادس الهجري فضلاً عن (فامية) و(دوران) ويبدو أن هناك عدد من المدن والقرى كانت مرتبطة بهذه المدينة إدارياً، إلا أن المصادر لم تشر إليها فقد ذكر الأصبهاني أن الصلح نهر كبير. . . عليه نواح كثيرة وقد علا النهر فآل تلك المعاملات إلى الخراب
2- أعمال واسط:
كان لمدينة واسط بعض الأعمال والقرى المرتبطة بها إدارياً منها (الأفشولية) وتقع في غربي واسط، (الدجلة) من معاملات واسط لم يذكرها ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان)، إلا أنها ذكرت في كتاب الحوادث الجامعة في أخبار عام 683هـ/ 1284م، وكذلك قرية (الارحاء) وقرية (الشيخ) القريبة من واسط، وقرى أخرى مثل (ساسي) و(نغوبا) و(كراجك) و(أبو قريش) و(الزبيدية) و(صريفين)وغيرها.
3- أعمال الصينية:
الصينية بليدة مشهورة تقع جنوب واسط كانت من المراكز الإدارية في هذه المدينة خلال العصر العباسي، فذكر أن أبا علي الحسن بن أحمد بن ماهان الصيني كان قاضي الصينية وخطيباً بها وكان من قضاتها أبو الفضل هبة الله بن عبيد الله بن محمد بن علي بن شيلمة الواسطي
وأشارت المصادر أيضاً إلى بعض المدن والقرى التي كانت تابعة لمدينة الصينية منها (الهرث) و(الفاروث) و(أبي النجم) و(برجونية)
4- أعمال الغراف:
الغراف مدينة كبيرة فيها قرى كثيرة وهي بطائح وتقع على نهر الغراف جنوب واسط، وأشارت المصادر إلى ولاة وقضاة كانوا في مدينة الغراف، مما يدل على أنها كانت من المراكز الإدارية التابعة لمدينة واسط خلال العصر العباسي، وذكر ياقوت الحموي بان هناك قرى كثيرة على نهر الغراف كانت تابعة لها ولم يذكر لنا أسماء هذه القرى سوى قرية كانت تعرف باسم (برزة)
5- أعمال الشرطة:
الشرطة هي كورة كبيرة من أعمال واسط وتقع بين مدينة واسط والبصرة، وفيها قرى عديدة تابعة لها منها قرية (عَقْرُ السَّدَن)
ومن المراكز الإدارية التابعة لمنطقة واسط (الرصافة)، وكانت قصبة نهر الميمون، ونهر (سابس) التي كانت قصبة نهر الزاب الأسفل قرب واسط، و(نهر جعفر) فهي من أعمال واسط وعليه قرى كثيرة، وذكر صاحب الحوادث الجامعة أن علاء الدين الجويني أمر في عام 670هـ/1271م بعمارة موضع في نهر جعفر سماه (المأمن)، ومن قرى نهر جعفر شافيا ويقال لها (شيفيا) أيضاً
كانت (الحدادية) من أعمال واسط والطيب، ووردت أسماء بعض المناطق والقرى وهي تحمل صفة إدارية فذكر فيها وجود قاضٍ أو بعض الموظفين الإداريين منها قرية (عبد الله) و(ساقية سليمان) والهمامية، ويبدو أنها من المراكز الإدارية التابعة لواسط، بينما وردت لنا أسماء عديد من المدن والقرى، إلا أننا لم نجد ما يشير إلى ارتباطها الإداري بمدينة واسط نظراً لاهتمام أغلب المصادر بالمراكز الإدارية الرئيسة منها (الإسكندرية) و(كاكس) و(فريث) و(شلمغان) و(دبيثا) و(خسروسأبور) و(هاروت) و(جاذر) و(دندنة) وغيرها.
الوظائف الإدارية في واسط
أدى احتلال بغداد عام 656هـ/ 1258م إلى تحول العراق مجرد إقليم من أقاليم الدولة الإيلخانية، وتحولت بغداد إلى عاصمة العراق، التي كانت حاضرة العالم الإسلامي بأجمعه، وبعد أن سيطر المغول على العراق أرسل هولاكو إلى مؤيد الدين بن العلقمي وعينه وزيراً، وأسند ديوان العراق إلى فخر الدين الدامغاني (صاحب ديوان الخليفة المستعصم بالله) ومنصب الشحنة إلى علي بهادر.
أبقى حكام المغول التقسيمات الإدارية للعراق على ما كانت عليه في عهد الدولة العباسية، ثم قامت السلطة المغولية بدمج الوحدات الإدارية في العصر العباسي الأخير إلى وحدات رئيسية اكبر تسمى (أعمال) ما عدا بغداد فأنها بقيت على وضعها السابق، فمنها الأشراف على العراق وصولاً إلى تحقيق سيطرة مركزية قوية، ولهذا قسم العراق إلى خمس وحدات إدارية هي الأعمال الشرقية وتشمل (الخالص وطريق خراسان والبندنيجبين)، والأعمال الفراتية وتشمل (حوض الفرات من الأنبار جنوباً إلى عانة والقائم شمالاً)، وأعمال دجيل والمستنصري والأعمال الحلية والكوفية والأعمال الواسطية والبصرية ثم أضيفت إليهما فيما بعد الموصل وإربل وكثيراً ما تدمج في إدارة واحدة، ويتولى إدارة هذه الأعمال مسؤول يقال له (صدر)، وكان تعيينه يتم من قبل صاحب الديوان في بغداد وإليه حق عزلهم ومحاسبتهم، ومن أهم هذه الوظائف الإدارية:
1- الشحنة:
وظيفة جديدة استحدثها السلاجقة(155) أبان حكمهم لبلاد إيران والعراق، كان يتولاها احد الأمراء العسكريين الأتراك المقربين من السلطان السلجوقي(156)، وهذه الوظيفة هي أقرب ما تكون إلى منصب الحاكم العسكري أو صاحب الشرطة ومهمته حفظ الأمن والنظام في الولاية أو المدينة المعين عليها(157)، وهو مسؤول عن إدارتها ومراقبة المفسدين واللصوص والقبض عليهم(158)، ولأهمية منصب الشحنة في هذه الفترة فأن متوليها كان يتم تعيينه من قبل السلطان السلجوقي أو من ينوب عنه وكانوا يختارون ممن يتصف بالشجاعة والكفاءة العسكرية(159).
استمرت وظيفة الشحنة في العصر المغولي، ويبدو أنها كانت مهمة بالنسبة لهم خاصة في بداية احتلالهم لمدن العراق، باعتبارها وظيفة تهتم بالأمور العسكرية وحفظ الأمن والنظام في المدن(160)، حتى صار الشحنة بمثابة القائد الأعلى للقوات المغولية في الممالك(161)، اما صلاحيات تعيينه أو عزله فقد كانت من اختصاص السلطان المغولي(162)، ويلاحظ ان جميع من تولى منصب الشحنة في المدن العراقية كانوا من المغول(163)، باستثناء علي بهادر الخراساني(164)، مما يفسر عدم ثقة الحكام المغول بغير أبناء جنسهم خاصة فيما يتعلق بالمناصب العسكرية المهمة في الدولة الإيلخانية.
كان للشحنة نائب يساعده في أداء مهامه ويحل محله عند غيابه، ففي عام 697هـ/ 1297م قام السلطان غازان بعزل الأمير تاولدار (شحنة بغداد)، وذكر ابن الفوطي أن سبب ذلك يعود إلى (أن نائبه رستم أساء السيرة وتعدى الحد في الشنقصة(165) وأنواع التأويلات على الناس، واعتمد ما أوجب قتله)(166)، فضلاً عن أن نائب الشحنة كان للشحن أيضاً عدد من (النوكرية)(167) الذين يقومون بتقديم المساعدة والعون للشحن في أعمالهم(168)، ومما يدل على أهمية وظيفة الشحن ودورهم العسكري في الدولة المغولية قيام السلطان هولاكو بإرسال عدد من الشحن لغرض سيطرته على مدن العراق، فقد أرسل الأمير (بوكله) شحنة على الحلة(169)، فضلاً عن ذلك نجد أن بعض الشحن كانوا بمثابة عين للسلطة المغولية على الإدارة المدنية(170).
بعد أن استتب الأمن في العراق اخذ المغول يعينون شحنة واحداً في بغداد، ويظهر إلى صلاحيات الشحن العسكرية قد انتقلت إلى (الصدور) لتوطيد الأمن والاستقرار في المدينة(171)، فلم يعد شحنة بغداد أو ما يسمى (شحنة العراق) يتدخل في شؤون المدينة إلا في حالات الضرورة كما حصل عام 683هـ/ 1284م عندما استعان صدر الحلة (ابن محاسن) بشحنة العراق لمساعدته في القضاء على أبي صالح الشخص الذي ظهر في واسط والحلة وادعى انه نائب صاحب الزمان بعد أن عجز في القضاء عليه(172)، أي أن واجبات الشحنة كانت تتمثل في المحافظة على الأمن والقضاء على التمردات وأعمال العصيان التي تحدث في بغداد ومدن العراق الأخرى.
وممن تولى وظيفة الشحنة في واسط خلال هذه المدة عز الدين أبو المظفر عبد العزيز بن جعفر بن الحسين النيسابوري الذي عين شحنة على واسط بعد سيطرة المغول عليها، ثم فوضت إليه بعد ذلك مدينة البصرة ونواحيها وتوفي في ذي القعدة عام 672هـ/ 1273م(173).
يبدو مما سبق الصلاحيات الواسعة التي كان يتمتع بها الشحن في العصر المغولي وارتباطهم المباشر بالسلطان نفسه من حيث التعيين والعزل، وزادت أهميتها كثيراً طيلة هذه الفترة لاعتماد السلاطين المغول عليهم في تحقيق الأمن والاستقرار في مدينة بغداد ومدن العراق.
2- الصدر:
إن وظيفة الصدر(174) هي من الوظائف الإدارية المهمة في الدولة العربية الإسلامية، ووردت وظيفة الوالي في العصر العباسي الأخير باسم (الصدر)(175)، وتسمية الصدر كانت تطلق على رئيس إحدى الدواوين المركزية في الدولة العباسية وأيضاً على رئيس الوحدات الإدارية، أما في العصر المغولي (الإيلخاني) فإنها اقتصرت على ما يبدو على إدارة إحدى الوحدات الإدارية (المدن) فقط، ويظهر واضحاً أن الصدر في هذا العصر كان يتمتع بصلاحيات أوسع مما كانت عليه في العصر العباسي الأخير، فهو يشرف على إدارة القوات المسلحة وعلى حماية الأمن في مدينته(176)، أما صلاحيات تعيين الصدور في العصر العباسي الأخير فقد كانت محصورة بيد الخليفة العباسي الذي يعين الصدور في مدن العراق(177)، وفي العصر المغولي أصبح تعيين الصدور وعزلهم من اختصاص صاحب(178) الديوان(179).
تولى هذه الوظيفة في واسط خلال هذه المدة سراج الدين بن البجلي الذي عين في عام 656هـ/ 1258م بعد خضوع العراق للمغول الإيلخانيين صدراً في الأعمال الواسطية والبصرية، وفي عام 657هـ/ 1259 ثبت عليه انه خرب واسط والبصرة وأهمل مصالحها فأمر بقتله فقتل(180)، وبعده رتب مجد الدين صالح بن الهذيل (ت680هـ/ 1281م) صدراً في واسط ولقب بلقب الملك، وكان من أعيان الكتاب والمتصرفين، ومن أعماله انه بنى جسراً بواسط خلال مدة توليته فيها(181)، وفي عام 660هـ/ 1262م قبض الصاحب شمس الدين محمد الجويني(182) على مجد الدين صالح بن الهذيل (صدر واسط) وطلب منه أن يدفع الأموال المتبقية، وشدد عليه ثم دوشخ(183) وضرب وطيف به في واسط، كما قبض على أصحابه ونوابه وضربوا وطولبوا بالأموال(184)، وبعده تولى فخر الدين منوجهر بن ملك همذان الأعمال الواسطية خلفاً لأبن الهذيل، واستصحب معه فخر الدين مظفر بن الطراح وجعله نائباً عنه في واسط(185).
في عام 672هـ/ 1273م جاء الصاحب علاء الدين الجويني إلى واسط وقبض على فخر الدين ابن الطراح وأصحابه ونوابه، واخذ منهم أموالاً كثيرة، وعزل ابن الطراح وعين شمس الدين محمد بن البروجردي بدلاً عنه(186)، وبعد وفاة ابن البروجردي عام 676هـ/ 1277م عين الملك ناصر الدين قتلغ شاه الصاحبي صدراً لواسط(187)، ثم عين في عام 677هـ/ 1278م فخر الدين مظفر بن الطراح صدراً لواسط خلفاً لقتلغ شاه الصاحبي واستمر ابن اطراح في صدرية واسط إلى عام 683هـ/ 1284م(188)، وبعده عين نور الدين أحمد بن الصياد التاجر فأرسل شخصاً يسمى (إقبال) ينوب عنه في واسط(189)، ولكن ابن الطراح ما لبث أن عاد إلى صدرية واسط حيث لم تستمر ولاية ابن الصياد إلا شهراً واحداً، فبقي على إدارة واسط حتى عام 685هـ/ 1286م إذ عزل ابن الطراح عنها وتولى صدارة الحلة(190)، أما واسط فقد عين عليها ابن الصياد ولم يزل فيها حتى عزل عنها عام 688هـ/ 1289م ورتب عوضه الملك نور الدين عبد الرحمن بن تاشان(191)، وكان مهذب الدولة اخو سعد الدولة(192) اليهودي قد قبض على صدر واسط نور الدين بن تاشان عام 690هـ/ 1291م وطوقه بالحديد وأرسله إلى بغداد ليقتل فيها، لأنه قال أن سعد الدولة قد قتل، ولكن الظروف لم تستمر في صالح مهذب الدولة، فخرج نور الدين من السجن وجاء إلى واسط وقبض على مهذب الدولة وأرسله إلى بغداد فقتل وحمل إلى واسط وعلق على جسرها(193).
في عام 694هـ/ 1295م تولى فخر الدين مظفر بن الطراح (صدر الحلة) على صدارة قوسان(194) وواسط والبصرة عوضاً عن نور الدين عبد الرحمن بن تاشان(195)، ولكن جمال الدين الدستجرداني(196) أمر نائبه ببغداد نور الدين عبد الرحمن في عام 694هـ بأخذ ابن الطراح صدر واسط والبصرة وقتله، فقام النائب بالمهمة، فانحدر إلى واسط وقبض عليه وعلى أصحابه فدوشخ وطوق، واسمع كل قبيح، وأخذ خطه بأنه وصل إليه شيء كثير من الأموال، وأشهد عليه بذلك القاضي والعدول، ثم حمل إلى بغداد وقتل وحمل رأسه إلى واسط وعلق على الجسر، ووصفه صاحب الحوادث بأنه ((كان جواداً سخياً كريماً ذا ناموس عظيم وسياسة، يخافه الأعراب وسائر الرعايا، خدم في أعمال العراق كلها. . . ))(197).
أما نور الدين عبد الرحمن بن تاشان فقد وصف عهده بالظلم والقسوة، لما كان يتخذه من التمثيل وشناعة القتل واستحداثه القنارة(198) بواسط، ولم يدم حكمه طويلاً فأنه توفي بعد قتله ابن الطراح بمدة شهرين(199).
خلاصة القول أن منصب الصدر لم يقتصر على العراقيين فحسب كما هو الحال في صدور العصر العباسي الأخير، بل اعتمد المغول على عناصر أخرى وخاصة الفرس وربما يعود سبب ذلك إلى اتخاذ المغول بلاد فارس قاعدة لحكمهم(200)، فكان غالبية صدور واسط في الفترة المغولية هم من الفرس أمثال فخر الدين منوجهر الهمذاني وشمس الدين محمد البروجردي والملك ناصر الدين قتلغ شاه الصاحبي ونور الدين بن تاشان التاجر ما عدا فخر الدين المظفر بن محمد بن جعفر الشيباني العراقي المعروف بابن الطراح الذي تولى صدارة واسط أكثر من مرة، وعرف باهتماماته الأدبية وكفاءته الإدارية.
مما يلاحظ أن ظاهرة كثرة تعيين الصدور في واسط وعزلهم والمطالبة بالأموال والتعذيب بمختلف الأساليب حتى يصل إلى القتل كانت على ما يبدو سمة من سمات الإدارة في العصر المغولي، وربما يعود ذلك إلى التنافس المستمر فيما بينهم، وأنهم كانوا يدفعون أموالاً كثيرة من أجل الحصول على المناصب وهذا يدل على الارتباك والفوضى الإدارية ويفسر لنا أيضاً انتشار ظاهرة الفساد الإداري والمالي في إدارة الدولة المغولية ليس حصراً في واسط بل في عموم مدن العراق.
3- الناظر:
من الوظائف الإدارية المهمة التي ظهرت في العصر العباسي، والناظر هو موظف مسؤول عن تنظيم واردات الولاية (المدينة) ونفقاتها(201)، والناظر كما يقول القلقشندي: ((هو من ينظر في الأموال وينفذ تصرفاتها ويرفع إليه حسابها لينظر فيه ويتأمله فيمضي ما يمضي ويرد ما يرد . . . وهو يختلف باختلاف ما يضاف إليه))(202)، فصاحب هذه الوظيفة موظف مالي بالدرجة الأولى ولكنه بسبب عدم وجود التخصص الدقيق في إدارة الوحدات الإدارية خارج العاصمة بغداد كان الناظر يقوم بالأشراف على أمور إدارية أيضاً وله صلاحيات الصدر ومسئولياته أحياناً(203).
كان اختيار الناظر وتعيينه يتم من قبل الخليفة العباسي، وان النظار الذين تم تعيينهم في مدينة واسط كانوا من بيوتات اشتهرت بالكتابة والرئاسة وتولي الأعمال الديوانية(204).
استمرت وظيفة الناظر في العصر المغولي وأصبحت سلطة تعيين النظار في هذه الفترة من اختصاص صاحب الديوان(205).
ممن تولى هذه الوظيفة في واسط خلال عصر السيطرة المغولية كمال الدين أبو الفضل محمد بن محمد بن غزالة المدايني، وقال عنه ابن الفوطي أنه ((كان كاتباً ضابطاً حاسباً))، وتولى عدة أعمال منها نظارة قوسان وواسط(206)، ويبدو مما سبق أن وظيفة الناظر تتطلب كفاءة إدارية وخبرة مالية عالية نظراً لتعلق هذه الوظيفة بالجوانب الإدارية والمالية.
4- المشرف:
وظيفة المشرف من الوظائف المالية المهمة في الدول السلجوقية، ولها ديوان خاص بها، ورئيس هذا الديوان موظف يعرف بالمشرف، يهتم بضبط الحسابات والصادرات والواردات والموازنة بينها(207)، ومن مهام رئيس هذا الديوان الأشراف ومراقبة أعمال الناظر في الولاية (المدينة) المعين عليها(208)، ويبدو أن منزلة المشرف هي أعلى من الناظر والصدر في الولاية ووظيفته تشبه بطبيعتها المدقق والمفتش المالي في وقتنا الحاضر(209)، وتقلد هذه الوظيفة في واسط خلال العصر العباسي الأخير عدد من المشرفين الذين تميزوا بالكفاءة الإدارية والمالية(210).
أما في العصر المغولي فان شاغل وظيفة المشرف كان يعين من قبل السلطان المغولي نفسه، ولا يعزل إلا بأمر منه أيضاً(211)، وازدادت أهمية هذه الوظيفة لأن المغول استحدثوا في عام 679هـ/ 1280م منصب مشرف عام على الإدارة المالية في الدولة الإيلخانية يدعى باسم (مشرف الممالك)، يعني بضبط قضايا وأموال الدولة وهو مسؤول عن مشرف بغداد الذي كان لديه نائباً عنه في كل ولاية أو (مدينة)، ويسمى بالمشرف أيضاً، ولعل من أسباب اهتمام السلاطين المغول بهذه الوظيفة هو رغبتهم في السيطرة على الدولة الإيلخانية والمحافظة عليها والحصول على أكبر كمية من المال لمعرفتهم بفساد موظفيهم الإداريين وحجبهم المال عن خزينة السلطان المغولي(212).
وممن تولى الأشراف في مدينة واسط خلال هذه الفترة مجد الدين صالح بن الهذيل الذي تقلد عدة وظائف إدارية في أغلب مدن العراق، تولى الأشراف في واسط عام 677هـ/ 1278م، وبقي فيها إلى وفاته عام 680هـ/ 1281م(213)، وتقلدها بعده شمس الدين محمد زرديان عام 694هـ/1294م عندما كان فخر الدين مظفر ابن الطراح صدراً لواسط(214).
5- القضاء:
القضاء في اللغة الفصل والحكم(215)، أما في الاصطلاح فهو ((منصب الفصل بين الناس في الخصومات حسماً للتداعي وقطعاً للتنازع))(216).
تعد وظيفة القضاء واحدة من الوظائف المهمة في الدولة العربية الإسلامية لارتباطها بحقوق الإنسان ونشر العدالة، ويجب على من يتولى هذه الوظيفة ان تتوفر فيه الشروط التي تؤهله للقيام بها وهي أن يكون بالغاً مسلماً عاقلاً حراً سليم الجسد عادلاً وعالماً بأحكام الشرع(217).
شهدت مؤسسة القضاء تطوراً ملحوظاً في العصر العباسي حيث تم فيه استحداث منصب قاضي القضاة للأشراف على النظام القضائي في الدولة(218)، وهي وظيفة تقابل منصب وزير العدل في وقتنا الحاضر(219).
ظلت مؤسسة القضاء محافظة على أهميتها في الدولة الإيلخانية، وسلطة تعيين قاضي القضاة كانت من اختصاص صاحب الديوان في بغداد، وكان قاضي القضاة بدوره يقوم بتعيين القضاة في المدن الرئيسة في العراق(220)، بينما كان قاضي قضاة الممالك المقيم مع السلطان المغولي يعين القضاة في كافة أقاليم الدولة الإيلخانية عدا العراق(221)، وممن تولى قضاء واسط في فترة السيطرة المغولية القاضي عماد الدين زكريا محمد بن محمود القزويني الذي كان قاضياً في مدينة الحلة عام 650هـ/1252م ثم نقل بعد ذلك إلى قضاء واسط عام 652هـ/1254م، واستمر قاضياً فيها إلى وفاته عام 682هـ/1283م(222)، وبعده تولى القضاء في واسط القاضي مجد الدين أبو القاسم علي بن عبد الله بن محمد الزيتوني الواسطي، ورآه ابن الفوطي عند قاضي القضاة عز الدين الزنجاني(223) حين ولاه الحكم والقضاء بواسط وأعمالها(224).
في هذه المدة استمر قاضي واسط يعين قضاة ينوبون عنه في المناطق الإدارية التابعة لواسط، كما هو الحال في العصر العباسي الأخير(225)، إلا إن المصادر لم تذكر لنا اسمائهم لاهتمامها بالمراكز الرئيسة في المدينة.
كان لكل قاضي عدد من الكتاب العدول يساعدونه في أداء مهامه في الشهادة أو تزكية الشهود أو ترشيح الآخرين لمناصب تتعلق بتحقيق العدالة لتولي مناصب القضاء والحسبة وإدارة الأوقاف وغيرها(226).
6- النقابة:
عرف الماوردي النقابة بأنها ((موضعة على صيانة ذوي الأنساب الشريفة عن ولاية من لا يكافئهم في النسب ولا يساويهم في الشرف ليكون عليهم أجلى وأمره فيهم أمضى))(227)، ورئيس هذه النقابة شخص يطلق عليه لقب نقيب وكان عالي الدرجة والمكانة عظيم القدر جليل الشأن(228)، وهو مسؤول عن ضبط انساب الأشراف وتدوين مواليدهم ووفياتهم، ومنعهم من ارتكاب المآثم، والمطالبة بحقوقهم ودعوتهم إلى أداء الحقوق وغيرها(229).
كان للعباسيين والطالبيين نقيب واحد حتى أواخر القرن الرابع الهجري، ثم أصبح لكل منهم نقيب خاص بهم(230)، وفي أواخر العصر العباسي كانت نقابتا العباسيين والعلويين من الوظائف المهمة التي يتولى الخليفة العباسي تعيين نقيبيهما
استمرت النقابة في العصر المغولي إلا إن نقابة العباسيين فقدت أهميتها بينما ارتفعت مكانة نقابة العلويين، وأطلق على نقيب الطالبيين أو العلويين في هذه الفترة اسم نقيب الأشراف، وممن تولى النقابة في واسط خلال السيطرة المغولية النقيب مجد الدين أبو الغنائم بن خميس بن أبي القاسم العلوي الواسطي عام 663هـ/1264م
الخاتمة
تناول الموضوع دراسة الأحوال السياسية والإدارية في مدينة واسط خلال العصر المغولي (الإيلخاني) وقد تبين لنا ان هذه المدينة وقفت عام 656هـ/ 1258م مع بغداد في تصديها للغزو المغولي، وكان لأهل واسط دور بارز في مقاومة القوات المغولية بقيادة بوقاتيمور والدفاع عن مدينتهم، فاشتبكوا مع المغول بعدة معارك راح ضحيتها الآلاف من السكان عبروا خلالها عن روح البطولة والصمود التي تمتع بها أهل واسط عبر تاريخهم السياسي، فضلاً عن دور القبائل العربية التي كانت في أغلب الأحيان خارجة عن طاعة السلطان المغولي، مما دفع السلاطين المغول إلى تجريد الحملات العسكرية للقضاء عليهم وتعرضهم إلى النهب والقتل.
من الناحية الإدارية فمدينة واسط كانت تشرف على إدارة منطقة واسعة، تضم مجموعة من المناطق الإدارية بما فيها القرى التابعة لها، وظلت واسط محتفظة بأهميتها الإدارية منذ العصر العباسي وحتى أواخر العصر المغولي.
أما ما يتعلق بإدارة واسط ومؤسساتها في هذه المدة، فإن الاحتلال المغولي أبقى بعض النظم الإدارية التي كانت سائدة في العصر العباسي الأخير مع إجراء بعض التعديلات التي تتناسب مع طبيعة الحكم المغولي، ولم يعتمد المغول على أبناء البلاد في الوظائف الإدارية، وإنما اعتمدوا على عناصر مغولية وفارسية في إدارة المدن، ولهذا نجد أن غالبية الموظفين الإداريين (الصدور) في واسط كانوا من الفرس، وظاهرة كثرة تعيين الصدور وعزلهم أكثر من مرة والمطالبة بالأموال والتعذيب والقتل تمثل أهم خصائص الإدارة الإيلخانية، ويدل هذا على عدم استقرار أحوال المدينة وإلى انتشار ظاهرة الفساد الإداري والمالي في واسط طيلة فترة الاحتلال المغولي.
المصادر
– بحث أ.م.د. فلاح محمود خضر و أ.د. محمد ضايع حسون ” واسط في العصر المغولي (الإيلخاني) 656-736هـ/ 1258-1335م (دراسة في أحوالها السياسية والإدارية )